دون ذكر اسباب وفاته، نعى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الأحد 10 مارس 2024، زعيمه خالد باطرفي، معلنًا تعيين سعد بن عاطف بديلًا له، في الوقت الذي يعاني التنظيم من خلافات داخلية وأزمة مالية تسببت في عزوف المتشددين من الالتحاق به، ما انعكس ذلك على عملياته الإرهابية.
من هو خالد باطرفي؟
هو سعودي الجنسية، ولد في الرياض عام 1979.
في مستهل شبابه، سافر مبكرا إلى أفغانستان، حيث التحق بتنظيم القاعدة وتدرب في معسكر الفاروق والتقى بأسامة بن لادن. وبعد عامين من وصوله إلى أفغانستان وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
بعد سقوط نظام طالبان وتفكك معسكرات القاعدة، لجأ باطرفي إلى إيران كما هو حال العشرات من أعضاء تنظيم القاعدة وقادته. واعتقلته السلطات الإيرانية وسلمته إلى الحكومة اليمنية في 2004، حيث أمضى في السجن ست سنوات.
بعد إطلاق سراحه، انضم إلى تنظيم القاعدة في اليمن، وبايع زعيم التنظيم حينها ناصر الوحيشي (قتل عام 2015).
عام 2010، وسعت القاعدة نفوذها، وسيطرت على مناطق عدة في اليمن من بينها محافظة أبين. وعين خالد باطرفي "أميرا" على الولاية وقائدا للتنظيم فيها.
وفي العام التالي، استغل التنظيم المظاهرات الحاشدة التي اجتاحت العاصمة صنعاء، والفوضى التي اجتاحت عددا من المحافظات اليمنية، وسع من نطاق سيطرته تحت لافتة "أنصار الشريعة" وأعلن قيام "إمارة إسلامية" في المناطق الخاضعة له.
وفي مارس 2011، نجحت القوات اليمنية في توقيف خالد باطرفي وظل معتقلا إلى غاية عام 2015، عندما هاجم تنظيم القاعدة سجن المكلا المركزي وقام بتحرير سجنائه.
وبث التنظيم حينها مقطعا مرئيا وثق عملية اقتحام السجن وإخراج باطرفي منه.
بعد يومين من فراره من السجن، ظهر باطرفي في مجموعة من الصور جالسا في القصر الرئاسي بمحافظة المكلا جنوب شرق اليمن، ومن يومها ظل وجهه مألوفا في الإصدارات المرئية التي ثبتها القاعدة في اليمن.
قلد القيادي باطرفي مناصب عدة أهمها "أمير" ولاية أبين، و"والي" حضرموت، والمسؤول عن القسم الإعلامي والإنتاج الدعائي، و"القاضي الشرعي"، والناطق باسم التنظيم، ثم زعيمه ابتداء من فبراير 2020 خلفا لقاسم الريمي الذي اعترف التنظيم بمقتله في غارة أميركية.
وفي 18 أكتوبر 2018، عرضت وزارة الخارجية الأميركية مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى توقيفه.
وقد ترددت شائعات كثيرة عن القبض عليه، أبرزها تلك التي أعلن عنها مجلس الأمن في 3 فبراير 2021، إذ أصدر تقريرا يشير إلى اعتقال باطرفي في أكتوبر 2020 وتسليمه إلى السلطات السعودية. لكن في 8 من أبريل 2021، أصدر التنظيم بيانا نفى فيه هذه المزاعم.
باطرفي اعتاد قبل ظهوره بشكل رسمي في إعلام القاعدة الكتابة باسم "أبو المقداد الكندي" في المنتديات "الجهادية"، ويعد واحد من أكثر قادة القاعدة نشاطا على صعيد الظهور الإعلامي، إذ ظهر في عشرات المقاطع المرئية والمسموعة خلال السنوات التسع الماضية.
أعدم عناصر بالتنظيم
يعد باطرفي الزعيم الرابع لتنظيم القاعدة في اليمن. وفي عهده نشبت خلافات عميقة داخل التنظيم على خلفية إعدامه عددا من أعضائه بتهمة التجسس، كان من بينهم الشرعي المشهور أبو مريم الأزدي والمسؤول الأمني فياض الحضرمي.
خلال سنوات قليلة، سقط قادة قاعدة اليمن تباعا تحت ضربات طائرات من دون طيار، ليبدأ التنظيم حملة مطاردة "للجواسيس" في صفوفه. تسببت الحملة بإعدام عدد من القادة، لتنهار قاعدة اليمن على وقع الخلافات.
على إثر ذلك، انشق المئات من العناصر، وطالبوا حينها أيمن الظواهري بالتدخل ووضع حد "للتجاوزات والأخطاء الشرعية والمظالم العظيمة" التي ترتكبها قيادة القاعدة في اليمن.
وظهر باطرفي أيضا في شريط فيديو وهو يشرف على عمليات إعدام عدد من أعضاء التنظيم اتهموا بالتسبب في مقتل زعميه الأسبق ناصر الوحيشي.
التحالف مع الحوثي
بدأت فكرة تحالف تنظيم القاعدة مع الحوثي منذ أن طلب التحالف العربي، من السلطات المحلية في محافظة مأرب الاستغناء عن عناصر القاعدة في خطوط مواجهاتها مع الحوثي، على اعتبار أن الوحدات القتالية للجيش الحكومي بقيت متماسكة ولم تتأثر بالتطورات في صنعاء.
كان تنظيم القاعدة قبل هذه الفترة يقاتل في صفوف قوات الرئيس هادي، في محافظة مأرب وتعز ضد جماعة الحوثي على اعتبار أن الحوثي يهدد الجماعة السنية ككل، غير أن التغيرات الدرامية التي أعقبت تشكيل قوات مشتركة في الساحل الغربي، والتي بدأت تحارب تنظيم القاعدة والحوثي في وقت واحد، جعلت التنظيم يعيد حساباته على اعتبارات عدة، أبرزها أن القوات المشتركة وخصوصًا "المقاومة تشكل خطرًا على الإسلام المتشدد وخصوصًا الحوثي والقاعدة، معتقدين أن تلك القوات هي إعادة إنتاج الجيش اليمني الذي حارب تنظيم القاعدة والحوثي لعقد من الزمن.
تدشين عملية التنسيق الحربي بين الحوثين وتنظيم القاعدة في فبراير 2021، بعد أن بدأت القوات الحكومية اليمنية تضييق الخناق على عناصر القاعدة أو من يتعاطف معهم، وكان بداية التحالف هو هدنة مؤقتة بين الطرفين، ومن ثم التفاوض الذي قاده قيادات حوثية كبيرة كانت تعمل داخل التنظيم كالقيادي في تنظيم القاعدة والحوثي "عارف مجلي"، ومن ثم الإفراج عن العشرات من عناصر التنظيم كانوا في سجون الحوثي.
كان التحالف الحوثي وتنظيم القاعدة محل خلاف داخل التنظيم، كان يعتبره البعض أن ذلك خرقًا لأهداف التنظيم في محاربة " الرافضة"، وإسرائيل وأمريكا، والبعض الآخر يعتبره تحالفًا مؤقتًا لحين القضاء على القوات الحكومية، بينما ذهب الطرف الثالث إلى أن التحالف سيمكن التنظيم من التسليح والاستفادة من الموارد المالية الذي وعدتهم به إيران.
وفقًا لمصادر، أن زعيم التنظيم خالد باطرفي، كان يميل إلى الهدنة المؤقتة مع الحوثي دون الاندماج الكامل، والاستفادة من التسليح الذي يصلهم من إيران عن طريق الحوثي، وكذلك الاستفادة من الأموال في حشد مقاتلين جدد.
خلال العام 2023 ظهرت بوادر تجدّد الهدنة بين القاعدة والحوثيين، فمنذ يناير 2023، عقب توجيه خالد باطرفي في أثناء لقائه قيادات ميدانية؛ من بينهم أبو الهيجاء الحديدي، وأبو علي الديسي، وأبو أسامة الدياني، وأبو محمد اللحجي، بعدم توجيه ضربات في مناطق سيطرة الحوثيين، والتركيز فقط على عمليات ضد المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات المشتركة في الساحل الغربي وفقًا لتفاهماته مع الحوثي، مما فسّر آنذاك بكونه بوادر تحالف ضمني أو بالمعنى الأدق هدنة بين الطرفين.
وخلال الفترة من مايو إلى يوليو 2023، ظهرت مؤشّرات على تصاعد استخدام تنظيم القاعدة للطائرات المسيّرة، حيث شنّ نحو 7 هجمات في شبوه، مستهدفة القوات المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي.
وعلى الرغم من نفي محمد علي الحوثي، في أغسطس 2023، مد القاعدة بطائرات مسيّرة، فإنه في سياق توقّف القتال بين الطرفين، هناك احتمال بأن تنظيم القاعدة حصل على دعم حوثي، بناء على المصالح المشتركة.
اغتيال باطرفي
شكلت غرفة العمليات المشتركة بين تنظيم القاعدة والحوثي التي انشأتها إيران في أكتوبر 2021 بصنعاء، محطة في التخلص من قيادات تنظيم القاعدة بناء على توصية من قيادة الحرس الثوري الإيراني وزعيم تنظيم القاعدة الإقليمي ، محمد صلاح زيدان (سيف العدل) الذي كان ينظر إلى "باطرفي" بالمتمرد لاسيما بعد أن حاول الاستقلال عن تنظيم القاعدة بعد مقتل أيمن الظواهري.
تقول المصادر إن الحرس الثوري الإيراني اندمج بشكل كبير مع تنظيم القاعدة، وبات يعرف معظم تفاصيل التنظيم وقياداته، وعمل على استخدامهم في كثير من العمليات الإرهابية داخل اليمن وخارجها، وهو ما يشير إلى خطورة ذلك على المنطقة، وتغلغل الحرس الثوري في العديد من مناطق الإقليم لا سيما في القرن الإفريقي واليمن والعراق وسوريا ولبنان.
تكشف المصادر المطلعة، أن الحرس الثوري الإيراني كانت أول عملياته لاغتيال قيادات التنظيم التي تعمل معهم، كانت ضد القيادي في تنظيم القاعدة عارف صالح مجلي، وهو قيادي في تنظيم القاعدة الإرهابي، انخرط في صفوف المليشيا الحوثية بناء على خطوط التحالفات العريضة بين الجماعتين الإرهابيتين.
تأتي تصفيات الحرس الثوري الإيراني لقيادات التنظيم التي ترفض التحالف الكامل مع الحوثي، وأن تكون قيادات التنظيم اليد الإيرانية في زعزعة واستقرار المنطقة.
ويعد خالد باطرفي من قيادات التنظيم التي ترفض الاندماج في تحالفها بشكل كامل مع الحوثي لحسابات مختلفة ابرزها الاختلاف الطائفي بينهم، لكنه كان يرى أن الاستفادة من التحالف بيهم هو العدو المشترك المتمثل في التحالف العربي والولايات المتحدة الأمريكية في مواجهتها وأخيرًا إسرائيل.
لكن هذا الرفض كلفه حياته، إذ تشير بعض المصادر أن خالد باطرفي دس له السم من قبل سعد بن عاطف العولقي بناء على توصية من زعيم تنظيم القاعدة الرئيسي سيف العدل، والذي دعا فرع التنظيم في اليمن للتعامل الكامل مع الحوثي، والعمل على تنفيذ توجهاتهم.
وتعد هذه الافتراضية الأقرب، إذ أعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عن وفاة زعيمه بدون أي تفاصيل، وبعد أسابيع من اجتماع ضم قيادة حوثية وفي تنظيم القاعدة والحرس الثوري الإيراني في كل من محافظتي صنعاء والحديدة لتشكيل غرفة عمليات مشتركة، لإدارة الحرب في البحر الأحمر والمناطق اليمنية التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية.
مستقبل التنظيم
بناء على ما ذكر أعلاه، ستعد إيران تنظيم صفوف القاعدة في اليمن، من حيث توثيق التحالف مع تنظيم القاعدة من خلال أذرعتها، على اعتبار أن الضرويات تبيح المحظورات، كما هو حاصل تحالفها مع حركة حماس رغم الاختلاف الإيدلوجي بشكل كامل.
وتعتبر إيران أن الحوثيين والقاعدة في اليمن، في حال استكمال التحالف الاندماجي بينهما، سيشكلان قوة رادعة في حساباتها السياسية والاستراتيجية العسكرية، إذا أن التحالف مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، سيعمل على هدنة مؤقتة بينها وبين الإسلام الراديكالي، واستغلال ذلك لضرب المصالح الغربية في المنطقة.
ستوسع من عملياتها من اليمن وحتى العراق والقرن الأفريقي، بهدف الدخول في حوار مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل الاعتراف بها كقوة مسيطرة في المنطقة وإخلائها لها لتتفرد بحكم المنطقة دون منازع.
تخطط إيران، إشغال القوات المناوئة للحوثي وإرهاقها من خلال المواجهات المستمرة مع تنظيم القاعدة، وتفرغ الحوثي لبناء ترسانته العسكرية استعداد لجولة أخيرة من الصراع مع القوات اليمنية بهدف السيطرة الكاملة على اليمن والممر الملاحي الدولي.
وبعد مقتل خالد باطرفي، وإعتلاء سعد بن عاطف العولقي زعامة التنظيم، سيجعل مستقبل التنظيم مرهون بالتحركات والأوامر الإيرانية التي ستسعى إلى تسليحه وتمويله، وفقًا لتفاهمات سابقة قادها مجموعة من قيادات تنظيم القاعدة والحرس الثوري الإيراني.
الخلاصة
يجب على الحكومة اليمنية أن تعلن خطة واضحة لمكافحة الإرهاب في اليمن بشقيه الحوثي والقاعدي، وبدعم عربي، دون الاكتفاء بمراقبة الوضع الراهن في البحر الأحمر الذي يعد خطة إيرانية لصرف النظر عن إعادة تشكيلها للتحالفات، وتسليحها.
العمليات العسكرية الاستباقية ضد الحوثي وتنظيم القاعدة، مع الضغط المستمر على إيران لدفع الحوثي للقبول بعملية السلام وفقًا لقرارات مجلس الأمن الدولي ومبادرة مجلس التعاون الخليجي، سيكون بداية حقيقة لدرء مخاطر الإرهاب في المنطقة واستقرارها أمنيا.
يعد تسليم اليمن لإيران وفقًأ لتفاهمات تحت مبرر وقف الحرب وإحلال السلام دون أن يكون شاملًا بداية لزعزعة استقرار المنقطة ككل، وهو لا يجب أن يتم السماح لسلام منقوص وهو بمثابة استسلام.
التعليقات